الروح من العميق...قصه من تأليفي
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الروح من العميق...قصه من تأليفي
السلام عليكم...
هاذي أول قصة خيالية أكتبها
بالعربي..تعودت على الانجليزي.
المهم اتمنى انها تعجبكم, و التكملة
هاذي أول قصة خيالية أكتبها
بالعربي..تعودت على الانجليزي.
المهم اتمنى انها تعجبكم, و التكملة
ان شاء الله قريباً
--------------
--------------
الروح من العميق
جفلت أميلي سيلدوث عندما رن جرس الهاتف : ألن تجيبي على الهاتف, آنسه أميلي؟
_ لا, أجيبي أنت يا ليلي, و إن سأل أحد عني....حسناً, قولي أي شيء.
قالت ليلي بشيء من المزاح: مازلت تصدقينها, و ماذا أن كانت تكذب عليك؟
_ أرجوك, ردي الآن على الهاتف!
نظرت الآنسة أميلي إلى خادمتها, و ألقت برأسها إلى الوسادة على الكرسي, بينما كانت ليلي روزنباوم ترفع سماعة الهاتف و تجيب بصوت هادئ: مرحباً, ...نعم ...أنا أسفه إنها ليست موجودة في المنزل, هل اترك رسالة لها...حسناً مع السلامة.
رفعت أميلي رأسها وقالت: إذن, من المتصل؟
_ ردت ليلي بشيء من الضجر: آه, أنه السيد أندرو, كالعادة؛ أراد أن يقول شيئاً بخصوص ...
شهقت أميلي: آه, لا, كان يجب أن تذكريني! لا, لقد وعدتهم, لقد وعدت أندرو,
قالت ليلي: ماذا؟
استدارت أميلي نحو الطاولة بجانب الكرسي, و أمسكت دفتر ملاحظاتها الأسود, و قلبت الصفحات بسرعة ثم صرخت: اليوم موعد استقبال والدتي من السفر, كيف لي أن أنسى ذلك؟ كيف نسيت أن أدونه, لماذا؟
هتفت ليلي: أنا آسفة, ولكن ألم يكن الموعد المحدد لعودتها من أوروبا هو بعد يومين؟
أومأت أميلي و أجابت: نعم, و لكنها أجرت العملية بسرعة و قد صرّح لها الطبيب بالعودة مبكراً لشفاء جسدها,...هياّ يجب أن ألحق بالآخرين في منزل أندرو,
قالت ليلي مترددة: و لكن, ماذا عن الـــ ...
_ آه, لا أعلم, ربما كانت مجرد خدعه, من يدري, ربما كنتِ على حق, كان يجب ألا أصدقها منذ البداية!
تنهدت ليلي وقالت: إلى اللقاء يا آنسه!
خرجت أميلي مسرعة إلى سيارتها, و قامت بإدارة مفتاح التشغيل, و انطلقت إلى منزل أخيها أندرو, كانت الآنسة أميلي سيلدوث تعمل كممرضه في مستشفاً خاص لرعاية المسنين, و هي تعتبر الرابعة من بين أخوتها, و هم أندرو الشقيق الأكبر, و وليام الأخ الأوسط, و أخيراً نيكول, و بعد نصف ساعة وصلت أميلي لمنزل أخيها أندرو, و سرعان ما ضغطت على زر الجرس, و ما هي إلاّ بضع ثوانٍ حتى فتح الباب, و خرجت امرأة في متوسط عمرها, كانت شاحبة الوجه, كما لو أن روحها اقتلعت من جسدها الضخم, كانت كاثلين تعمل عند السيدة نيكول سيلدوث, الشقيقة الكبرى لأميلي, و لكن لسبب ما حدثت بينهن مشاجرة أدت لطرد كاثلين جوان من منزل مخدومتها, فأخذت تعمل عند منزل شقيق سيدتها السابقة السيد أندرو سيلدوث.
_ آه, كاثي! كيف حالك؟أين أندرو؟
أجابتها كاثي بصوت عميق: بخير يا آنستي, إنه ينتظرك في غرفة الاستقبال,
قالت كاثلين و هي تغلق الباب: هل لي أن آخذ معطفك,يا أنسه أميلي؟
ابتسمت أميلي: حسناً, هذا لطف منك,
ركضت أميلي إلى غرفه الاستقبال, حيث كان أندرو ينتظرها هناك, كان أندرو طبيباً بيطرياً, طويل القامة ذو ابتسامه جذابة, و عينان عسليتان, و بشره بيضاء, و له شعر قصير داكن, وقفت شقيقته الصغرى وابتسمت له: أرجو ألاّ أكون قد تأخرت!
_ لا, لقد وصلت في الوقت المناسب,
_ إذن, أين أمي؟
ابتسم أندرو قائلاً: أمي مع ويليام ونيكول, إنهم بانتظارك,
_ هل قلت لهم شيئاً؟
_ في الحقيقة, نعم, قلت لهم بأنكِ كنت في المستشفى,
_ جيد, لأني لم أكن أريد اختلاق عذراً سخيفاً آخر!
ضحك أندرو من شقيقته الصغرى و قال: أليس هذا ما تجيدينه, اختلاق الأعذار؟
عبست أميلي و قالت: ماذا تقصد؟ لا تنسى بأنني أنقذتك مراتٍ عديدة, بفضل ذكائي الحاد!
_ آه, نعم, كنت كذلك! ولكن نيكول كانت بارعة,
بدء الاثنان بالضحك, حتى اندفع أحدٌ من باب الحديقة و هتف: ما بكما, لما تصرخان؟
نظر إليه أندرو وضحك: نصرخ؟
قالت أميلي: كيف حالك, أيها الطبيب ويليام؟
قال ويليام مبتسماً: ألا تكفين عن دعاباتك, إنك تجعليني أضحك كلما رأيت وجهك الصغير!
ويليام سيلدوث, أو كما يناديه أصدقائه, ويل, الشقيق الثالث لأميلي, يعمل طبيباً نفسياً, و لطالما أراد ذلك, كان بارعاً في عمله, و قد فتح عيادة قبل ثلاث سنوات, كان يتميز بالهدوء, الرزانة, و الحكمة, و نادراً ما يستبق الأمور, يهوى الفلسفة و تحليل الأمور بالطريقة العلمية, و لعل هذا سبباً في ضجر أخوته منه, إلاّ أنهم مازالوا يحبون سماع قصصه الطريفة, و على عكس ما تمنته والدته, أراد أميلي رسامة بدل أن تكون ممرضه, لشدة إعجابها بالفن والرسم, إلاّ أنها قد اختارت الرسم كهواية فقط, ويل, الشاب النشيط و الذكي, يتمتع بروح مرحه, و له ابتسامه تضاهى ابتسامه أخيه جمالاً, عيناه عسليتان واسعتان و له بشره قليلة السمرة, و شعر بندقي اللون.
خرج الأخوة الثلاثة من باب غرفه الاستقبال, متوجهين إلى حديقة المنزل, و ما أن
رأت أميلي والدتها, السيدة جيليان سيلدوث, جالسةً على كرسيٍّ خشبيّ من الطراز
الفيكتوري, حتى انفجرت بالبكاء وركضت مسرعةً إليها لتحتضنها.
قالت السيدة جيليان بصوت خفيف: حبيبتي أميلي! ما بك؟
_ أميّ, أنا آسفة لتأخري,
_ لا عليك يا صغيرتي, هياّ, انهضي, دعيني أرى ابتسامتك,
ابتسمت أميلي و قبلت جبين والدتها, وتدخلت نيكول قائلة: اعذروني, لقد نسيت كاثي إحضار إبريق آخر من الشاي,
رد عليها والدتها: نيكول, عزيزتي, لا تقسيّ عليها, أرجوكِ,
أجابتها نيكول: لن أفعل, وابتسمت لأندرو, وخرجت إلى المطبخ.
نظر أندرو لأمه وقال بشيء من السخرية: لقد حذرتها مراراً, من الأفضل أن الحق بها,
في مساء تلك الليلة, عادت أميلي لمنزلها متأخرة, و أدخلت المفتاح في مقبض باب المنزل, و دخلت ثم أغلقت الباب, أشعلت النور, وما إن دخلت المطبخ حتى صرخت بارتياب,
_ آه, ماذا تفعلين هنا؟
ابتسمت ليلي: لقد أردت تغيير الماء في غرفتك,
ضحكت أميلي قائلةًَ: لقد أخفتني, لوهلة ظننت أنك لص,
_ أنا بغاية الأسف, كيف حال والدتك,
خرجت أميلي من المطبخ و لحقت بها ليلي بعد أن أغلقت المصباح: حسناً, أنها بصحة جيدة,
_ أتعلمين, آنسه أميلي, لقد انتابني شعور غريب قبل بضع ساعات,
_ حقاً, ربما لأنك لم تعتادي الجلوس وحيدة بالمنزل,
صعدت ليلي إلى الطابق العلوي, و تبعتها أميلي وهي تنزع معطفها: ربما, و لكني متأكدة من أنه ليس مجرد حدس أو هلوسة, أحس بالخطر...أتظنين ...أنها محقه,
قد يحدث شيء غداً ...صدقيني انه إحساس غريب,
نظرت إليها أميلي بارتياب و ثم ضحكت: أنا أصدقك, و لكن لم يحدث شيء اليوم, و لا أظن بأنه سيحدث, صدقيني, كل شيء سيسير على ما يرام, كما أن تلك العجوز كانت مختلة عقلياً,
ابتسمت ليلي و قالت: أتمنى ذلك, طابت ليلتك,
تمتمت أميلي: طابت ليلتك, ثم أغلقت باب غرفتها.
أغلقت ليلي باب غرفتها أيضاً, و أحست بشيء من الارتياح.
pometo- عدد الرسائل : 6
العمر : 34
محل الإقامة : kuwait
تاريخ التسجيل : 02/08/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
كانت ليلي روزنباوم شابة في عمر أميلي, و كانت أكثر من مجرد خادمه, كانت صديقه, و أختٍ لها في نفس الوقت, ظلت ليلي تعمل لدى أميلي لما يقارب الأربع سنوات و نصف, و تعرفت على أميلي في متجر لبيع الزهور, ثم قررت العمل عندها, ليلانا الفتاة الجميلة, ذات الأصول البلجيكية, بعينيها الزرقاوات الصغيرتين, شعرها البنيّ الطويل الحريري, بشرتها البيضاء و قوامها الممشوق, طيبة قلبها, و حدة ذكائها, استطاعت التغلب على بعض المشاكل التي واجهتها, و صعوبات حياتها كونها يتيمة فقيرة وجدت عند صغرتها قرب حديقة عامة, و تم أخذها لملجأ, و بعدها العمل في متاجر عدة, و أخيراً عند السيدة أميلي سيلدوث, و كثيراً ما كانت تقول بأنه سعيدة بالعمل لديها.
في صباح اليوم التالي, استيقظت أميلي متأخرة, و نزلت إلى الطابق الثاني و جلست على مائدة الطعام, و جاءت ليلي تحمل الفطور و قدمته لأميلي مع صحيفة الصباح, كانت أميلي سعيدة, و ذلك لأن الطقس كان جيداً, و كثيراً ما كانت حالة الطقس تتحكم في مزاجها, و هذه هي أسوأ عاداتها, رفعت أميلي كوباً بارد من عصير البرتقال المنعش و شربت القليل, و وضعته سريعاً على الطاولة, و أمسكت الصحيفة و قلبتها إلى الصفحة التاسعة, ثم صرخت مناديةً ليلي, ثم جاءت مسرعة وهي تمسح يديها عن الماء بالمنشفه و قالت: ماذا هنالك؟
_ إنها هي...العجوز المجنونة, إن صورها تملئ الصفحة الأولى!
أمسكت ليلي بالصحيفة, و بدأت تقرأ المقال, مرة تلو الأخرى, نظرت لأميلي بارتياب و قالت: ألم أقل لكِ؟
هرعت أميلي لغرفتها, و بعد بضع دقائق, خرجت مسرعةً و هي تقول: ليلي, اهتمي بالمنزل ريثما أعود,
_ و لكن إلى أين؟
قالت أميلي وهي تغلق باب المنزل: سأذهب لأكلم ويليام, لا أكاد أصدق ما يحدث!
تنهدت ليلانا قائلةً: أرجو أن يكون كل شيءٌ على ما يرام,
بعد مرور نصف ساعة, وصلت أميلي إلى منزل أخيها ويليام, و قرعت جرس المنزل, و بعد دقائق سمعت أميلي صوت رجل خلف الباب يصرخ: حسناً, حسناً, أنا قادم, و فتح باب المنزل الأمامي, و خرج رجل متوسط الطول, واسع العينين, صرخت أميلي بوجهه
قائلةً: ماركو أين ويليام, انه شي مهم, أرجوك!
_ آنسه أميلي, ما بك, هل حدث شيء ما؟ تفضلي,
دخلت أميلي مسرعةً, و توجهت لغرفه الاستقبال, و ألقت نظرت سريعة, ثم خرجت و اتجهت إلى المكتبة في أخر الردهة, و هو المكان الذي عادة ما يقضي به أخيها وقت فراغه, و فور دخولها, وقفت ثم تنهدت بشيءٍ من الارتياح, و قالت: ويليام, هناك شي مهم, يجب أن تسمعني,
_ أميلي, عزيزتي ما بك؟ هل حدث شيء لكِ؟
_ لماذا لم تخبرني؟
نظر لها ويليام بارتياب: أخبرك بماذا؟
سحب ويل كرسياً لأخته, و جلست و هي تنظر إلية, ثم جلس هو الآخر قربها, و دخل خادمه ماركو و معه صينية شاي, و وضعها على الطاولة و همّ بالخروج, ثم قال ويليام: و الآن ماذا كنت تقولين؟
_ هل قرأت صحيفة اليوم؟
قال ويل وهو يسكب الشاي في الكوب: نعم, ماذا بها؟
أمسكت أميلي الكوب و قالت: تلك العجوز, صورها تملئ الصحيفة!
_آه, تقصدين سيلينا سكورزبي, ما علاقتك بها؟
_ هل تعرفها؟
_ أجل, إنها واحده من المرضى اللذين أعالجهم, لقد جاءت لعيادتي قبل شهر تقريباً,
انفعلت أميلي بحدة: و لكنهم أرسلوها للمشفى الذي أعمل به,
_ لمَ أنت قلقة هكذا؟
_ أريد أن أعرف, لم أرسلوها, و ما قصتها؟
سكت ويليام قليلاً ثم أضاف قائلاً: انتظري قليلاً, هل التقيت بها من قبل؟
احمر وجه أميلي الصغير: هذا ما كنت أحاول قوله لك, تلك العجوز جاءت لمنزلي قبل شهر تقريباً, و قد قالت لي ألاّ أخرج من منزلي, لأن...
_ صائد الأرواح يتجول بالمدينة, قاطعها ويل و ابتسم: و أنت بدورك صدقتها,
_حسناً, لقد أرعبتني,
_ عزيزتي أميلي, قبل أن يرسلوا لي تلك العجوز, كانوا قد أمسكوا بها جالسة في الحديقة العامة, تصرخ بوجهه الأطفال, تخبرهم بأنها تعرف صائد الأرواح, و أنه سيقبض أرواحهم قريباً, لقد أرعبتهم, قيل لي أنها مجنونه, فهي قد تجاوزت الثمانين من عمرها,
قالت أميلي بتردد: و أنت, ما رأيك بها؟
أجابها ويليام بسرعة: حسناً كان يمكن لي أن أرسلها لمشفاً خاص للمجانين, و لكنها بدت لي بحاجه للرعاية, و لم تكن مجنونه , بل أنها تفهم جيداً ما تقوله, فاقترحت إرسالها لأفضل دار لرعاية كبار السن في العاصمة,
أحست أميلي بارتياح وقالت: حسناً, كنت خائفة, و لم أعرف كيف أتعامل مع مجنونة, و لكن لا بأس بها,
قال ويليام: لا تقلقي من شي, فقصتها عن صائد الأرواح, ليست إلاّ نسج من خيالها, لتحظى بالاهتمام, فهي بلا منزل, قالت بأنها قد طردت منه بالقوة, و قد تخلى عنها
أحبائها,
_ إذن, فهي كانت تكذب, لقد ارتحت الآن, لوهلة ظننت أنها محقه, و قد تقتلني, كيف لي أن أصدق قصة سخيفة كهذه,
_ أظن أنها قد تصل للمشفى بعد ظهر هذا اليوم, وسأحاول زيارتك كل يوم أن استطعت, أعدك بذلك,
ضحكت أميلي و قالت: شكراً لك, و لكن لا تتعب نفسك كثيراً, صحيح أنها بنفس المستشفى, و لكن لن أكون أنا من أرعاها, و لن أشرف عليها, قد تكون ميليسّا, و لكن بالطبع لست أنا, لدي السيدة وذرسبون,
_ بالطبع, و هذا سبب كافي, لتنسي ما حدث بينك وبين السيدة سيلينا سكورزبي,
_ نعم, أظن ذلك,
في صباح اليوم التالي, ذهبت أميلي لمستشفى مارلين هيرتوايد في العاصمة, و كالعادة؛ باشرت بعملها في الطابق الثالث, بزيادة السيدة وذرسبون, و الاطمئنان على صحتها,
قالت أميلي للسيدة وذرسبون: هل تريدين طعام الغداء الآن, سيدة وذرسبون؟
ردت عليها السيدة: عزيزتي لقد تناولت غدائي قبل ساعة, ألم تخبرك ميليساّ,
_ ماذا؟ و لكن لا يحق لها أن تقدم لكِ وجبه من دون استشارتي, إنها مجرد ممرضه جديدة هنا,
قالت السيدة وذرسبون بصوت هادئ: عزيزتي أميلي, لقد أنهت فترة تدريبها كممرضه مساعده الأسبوع الماضي, لقد أخبروني بذلك مساء أمس, و هي الآن المسئولة عني,
قالت أميلي بحدة: لمَ لم يخبرني أحد بذلك, لقد أخذت أجازه لأسبوعين, و ليس لسنه كاملة, هذا لا يعقل, كما أن لورين الـ ... الـ ..., آآآآآه...
_ صغيرتي, أرجوك لا تغضبي, ربما قد نسيت أن تخبرك لورين بذلك, كما أنني لن أذهب لأي مكان, و ستحضين بشخص آخر لتهتمي به, أرجوكِ, ابتسمي هياّ,
ابتسمت أميلي: شكراً لكِ سيدة وذرسبون, أتمنى أن تهتم بك ميليساّ جيداً, فهي طيبه, و لكن سأعدك بأن أصحبك للحديقة كل صباح, فقط لأتأكد من صحتك, موافقة؟
ضحكت السيدة وذرسبون بصوت عالٍ: بالطبع, و كيف لي أن أرفض؟
_ إذن اتفقنا, ابتسمت أميلي وأغلقت الباب ورائها, و ركضت إلى لورين في
الطابق الأول و قالت لها بنوبة غضب: لورين, لا أصدق ذلك, لمَ لم تخبريني بأن ميليساّ سوف تتولَ رعاية السيدة وذرسبون؟
كانت لورين مورت منشغلة بتعديل الملفات, و بعض الأوراق المبعثرة أمام المكتب, و لم تنتبه لأميلي التي كادت تنفجر كالبركان أمامها, ثم رفعت رأسها بكل برود تنظر, و عدلت نظارتها, و قالت بصوت بارد: آسفه, ماذا قلتِ؟
أطلقت أميلي صوتاً كما لو انتابها الغضب, ثم قالت لورين: آه كدت أنسى, لقد تركت لكِ رسالة على هاتفك الخلوي بالأمس أخبرك بها عن بعض الـ ...,
_لا, لم أشغل هاتفي, إلا هذا الصباح, يا له من يوم رائع...حسناً, من هي السيدة أو السيد الذين عليّ الاهتمام بهما,
_حسناً, لدينا هنا مريضه جديدة, ستمكث هنا, لا أدري ربما للأبد, أسمها...
بدأت لورين تبحث بين كومة من الملفات حتى هتفت: السيدة سيلينا سكورزبي,
صرخت أميلي: ماذا؟ لا يمكن, هل أنت متأكدة؟
_بالطبع, أنظري لما هو مدونٌ هنا,
نظرت أميلي بارتياب إلى الملف, و فتحته ثم بدأت تقرأ بعض الكلمات المدونة تحت صورة السيدة سكورزبي, و انتقلت للصفحة الأخيرة , لترى توقيع أخيها ويليام سيلدوث,
قالت لورين بابتسامة متكلفه: هل تأكدت, حسناً ... إن السيدة سيلينا سكورزبي تنتظرك في الغرفة ... رقم 115,
pometo- عدد الرسائل : 6
العمر : 34
محل الإقامة : kuwait
تاريخ التسجيل : 02/08/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
انطلقت أميلي بعيداً عن لورين, متجهه للغرفة حيث ستلتقي السيدة سكورزبي العجوز المجنونة, كما تسميها هي, حيث رسخت صورة السيدة سكورزبي في عقلها, و بدأت تكلم نفسها و هي تخطو خطوات واسعة, و ما هي إلاّ دقائق, حتى وجدت نفسها تقف أمام الباب الخشبي, حيث انعكست صورة عينيها البراقتين على مرآة زجاجيه ملونه, علقت على واجهة الباب لتزينه, ... حسناً, هل ستدخلين أم لا؟ ... همست أميلي لنفسها و فتحت باب الغرفة مترددة, كانت الغرفة مرتبة و يغلب عليها اللون الأبيض و الوردي, و في الجهة المقابلة للباب توجد خزانه و مقعد طويل منجد ذو ذراعين, و في الجزء الآخر من الغرفة بجانب النافذة التي علقت عليها ستارة وردية اللون مرقطة بزهور بيضاء, توجد طاولة خشبية صغيرة, عليها إناء للزهور,
_ آه, و أخيراً, ... صدر صوت عميق من السيدة المختبئة تحت غطاء السرير, بعد أن رفعته عنها وجهها الشاحب, و نظرت مباشرة للباب, ... لقد أحسست بأننّا سنتقابل ثانية,
نظرت إليها أميلي, و كأن مراقبة السيدة العجوز مرة أخرى و هي تبتسم أمامها بسخرية, منذ لقائهم الأول قد أعادت لها ذكرى غريبة, و بعد برهة, أغلقت الباب و رائها, و بدأت الأفكار المريبة تزعزع استيعابها للوضع, و ما أن أحدثت العجوز صوتاً كالقهقهة الساخرة, حتى التفت إليها أميلي, كما لو أنها قد فاقت من كابوس, ...
و قالت بصوت نافد للصبر: سيدة سكورزبي, منذ اليوم سأكون ممرضتك الخاصة, و سأشرف عليك إلى أن تتحسن حالتك,
زمجرت سيلينا سكورزبي: هل تعنين بأنني ... مجنونة؟
_ آه, لا, لا, أبداً... و لكنك بحاجةٍ لرعاية,
_ إنني أحتاج لمأوى, فكما تعلمين أن صائد الأرواح مازال طليقاً,
صرخت أميلي بصوتٍ شديد الاهتياج: ماذا تعنين بهذه الأكاذيب, لا يوجد أحدٌ يسمى بصائد الأرواح, كما تدّعين, إنه بلا شك نسج من خيالكِ,
ارتسمت ابتسامة متكلفة على وجه العجوز المحدد و اقتربت قليلاً قائلة: هل كنت تظنين بأنني سوف أدعه يسرق أرواح الناس البريئة؟
كان وجه السيدة العجوز المستدق الرأس, قريباً جداً لوجه أميلي, حيث أن ملامحها كانت بغاية الوضوح, كانت عينيّ السيدة سوداء ضيقتين حادتين, و لكنها بدت لوهلة رمادية اللون كالضباب, و أنفها المعقوف, شعرها القصير الأبيض الغير مرتب, و فكها البارز, أسنانها الحادة الصفراء, و ابتسامتها التي تخفي الكثير,
أجابتها أميلي مترددة: ماذا تقصدين؟
_ يا عزيزتي, لقد أعطيته ذهباً ليكف عن سرقة الأرواح, و لقد وعدني بأخذ أرواح كبار السن فقط لخمسين سنه قادمة, فقط من هم كبار إلى حد كافٍ, ليرتاحوا من الحياة الظالمة,
_ و كيف أعطيته ذهباً____؟
_ صدقيني, لدي ما يكفي لأحمي ما أستطيع من الأرواح الصغيرة, و بالطبع ستسألينني لمَ لم أنفقه لشراء مسكنٍ لي,
قالت أميلي: حسناً, نعم, هذا ما كنت أريد سؤالك عنه, ولكن هل لي أن أعــــــ,
_ لقد تم اختياري لإنقاذ الناس من هذا الشخص, لقد ظننت بأن هناك من سيساندني, و لكنك كنتِ... أملي الوحيد ... لقد صدقتني, و قبل أن يمسكوا بي لقد اخبرني صائد الأرواح بأنه لن يسرق روحك, كنت فتاة طيبه, لقد صدقتني...
_ حسناً, لقد أخفتني, و لكن هل لي أن أسألك سؤالاً؟ ... (إنها تقرأ أفكاري! و لكن كيف؟ ... همست أميلي في نفسها, و ابتعدت قليلاً عن العجوز, )
أومأت العجوز و رفعت عينيها للسقف و همست: إنه هنا,
_ ماذا؟
_ صائد الأرواح, إنه معنا في الغرفة,
قالت أميلي بصوت هادئ متجاهلة ما قالته السيدة سكورزبي: هل تقرئين الأفكار؟
غرقت السيدة العجوز في سريرها الأسفنجي المريح و رفعت الغطاء لكتفيها الهزيلين, تمتمت ببعض الكلمات و قالت بصوت عميق: لقد رحل,
أدارت أميلي رأسها للنظر بسرعة نحو الباب, حيث أن غرابه السيدة سكورزبي قد لفتت نظرها, و قالت: سيدة سيلينا, هل أنت بخير؟
_ نعم, عن ماذا كنت ستسألينني؟
أجابتها أميلي بتوتر: هل__هل تقرئين____,
قاطعتها العجوز بسرعة بصوت حاد: لا, لا, إنني لا أؤمن بالشعوذة, و لا أحب رؤية المستقبل, و لكنني أقر بوجود المعجزات والظواهر الخارقة,
_ إذن, ما أفهمه منكِ, أنك تستطيعين قراءة الأفكار, فهي جزء من الظواهر الخارقة للطبيعة,
_ نعم, أستطيع, و لكنني آسفة جداً, فلم أعني أن أقرأ أفكارك, فأن لا أحب التطفل على الآخرين,
_ لا عليك, فقد كنت فضولية جداً معك, ... حسناً سأتركِ الآن لترتاحي, إن أردت أي شي, سأكون في الجوار,
فتحت أميلي الباب و قبل أن تخرج, همست السيدة سيلينا: إنه هنا, يراقبنا, يريد المزيد من الأرواح... إنه يخيفني... لا أعلم لم هو غاضب.
عند المساء عادت أميلي لمنزلها, و عندما وقفت أمام الباب لتفتحه سمعت صوت أحد يضحك في غرفه الاستقبال, و فتح الباب لها, قفزت أميلي خوفاً, و قالت بصوت أجوف: ليلي, ماذا تفعلين, لقد أخفتني, من كان يضحك؟
_ تمهلي, ما بكِ, هياّ أدخلي لشرح لكِ كل شيء... دخلت أميلي و أغلقت ليلي الباب وراءها,
_ آه, أميلي, في الوقت المناسب, ... قالت امرأة بصوت ناعم,
ضحكت أميلي: نيكول, ويليام, ماذا تفعلان هنا,
أجابها ويليام بعد أن جلست أميلي على الأريكة المخملية: لا شي, أردنا أن نفاجئك,
أطلقت نيكول ملاحظه ساخرة: أمازلت تحتفظين بتلك الأريكة المخملية القديمة؟
_ إنها تذكرني بطفولتي,
_ نعم, نعم, و لكن أثاث منزلك يحتاج لبعض ... التعديل,
_ نيكول إلا ما تلمحين؟
أحدثت نيكول صوتاً كالنخير و قالت: لا شيء, ... أدارت نيكول رأسها إلى ليلي و همست لها, امتثلت ليلي لطلبها و خرجت بسرعة باتجاه المطبخ, فيما كانت نيكول تحدق إلى النافذة شاردة الذهن, و قد لمعت عينيها الخضراء الضيقتين, و بدأت تلعب بشعرها الذهبيّ الطويل, و هي تراقب المارّين في الشارع المظلم بينما يتساقط الثلج ببطء,
قال ويليام: كفاكما من هذه السخرية, نيكول إنك بمزاج سيء فلا تفسدي المفاجأة,
_ إنني لا أفسد عليك متعة المفاجأة,
_ نيكول!
قالت نيكول بصوت بارد: حسناً, حسناً, أنا لن أتفوه بكلمة, ...حينها جاءت ليلي, معها كوب من العصير وقدمته لنيكول, و خرجت من الغرفة,
نظر ويليام لأميلي و قال: حسناً, أين كناّ؟ ... آه, نعم, كما تعلمين ...
صرخت نيكول: آآآآآآآآآآآآه ...
_ نكي ... ماذا الآن؟
_ ويل, أقسم بأني رأيت شيئاً ينظر إليّ,
اقترب كلٌ من ويليام و أميلي: ماذا تقصدين؟
قالت نيكي بصوت عميق: لا أعلم ما هو, و لكنه كان يحدق من النافذة, ربما كان يبحث عن شيء داخل المنزل, ... وقفت نيكول و جلست بقرب أميلي,
أغلق ويليام الستارة و جلس بقربهما و تنهد قائلاً: لابد من أنك كنت تتخيلين فحسب, لا يوجد شي في الخارج,
زمجرت نيكول: لقد رأيته, لا تسخر مني,
قالت أميلي بصوت متقطع: و لكن... ماذا لو كانت... محقه؟
ضحك ويليام: أرجوك يا أميلي, إنك تذكرينني بالسيدة سيلــــ ...
اعترضت أميلي قبل أن يكمل: إنني لا أشبهها, و لا أصدقها...
قالت نيكول و هي تحتضن أختها: إنني لا أكذب, و ما رأيته كان حقيقة يا ويل, كما أن ميلي تصدقني,
_ آه, حسناً, حسناً, ... لننسى ما حدث و لنعود لموضوع المفاجأة,
pometo- عدد الرسائل : 6
العمر : 34
محل الإقامة : kuwait
تاريخ التسجيل : 02/08/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
في تلك الليلة بقيّت أميلي يقظة لساعة متأخرة من الليل, و هي تفكر فيما رأته نيكول, هل كان نسج من خيالها, أم حقيقة؟... هل كانت تشبه السيدة سيلينا سكورزبي؟... و لم تبدي موضوع المفاجأة كثيراً من الاهتمام, لأنها على يقين بأن والدتها لا تحب الاحتفالات بغير مناسبة... و قد تكون فكرة سيئة بأن يدعو ويليام جميع الأفراد العائلة, ... إنها ليست ليلة عيد الميلاد... كما أن والدتها لم تشفى من المرض كلياً... و مازالت قصة صائد الأرواح تحيرها... هل كان حقاً غاضب من السيدة سيلينا؟ و بعد ساعات من التفكير المتواصل استسلمت أميلي للنوم.
انقضى شهر تشرين الثاني, و مازالت الثلوج تتساقط بغزارة, و امتلأت المدينة بأجواء أعياد الميلاد, و الأنوار تزين الشوارع, و في مساء الرابع من كانون الأول في مشفى مارلين هيرتوايد,
قالت سيلينا سكورزبي بصوت عميق: أدخل ...
هتفت أميلي: كيف حالكِ, سيدة سكورزبي, هل كانت وجبه الغداء جيدة؟
أجابتها سيلينا دون أن تنظر إليها: نعم...
قالت أميلي و هي تبعد الطاولة الصغيرة بجانب سرير السيدة سيلينا: حسناً, لقد استقرت حالتك, و يمكن أن نخرجك من المستشفى للتنزه, و الآن ســـ ...
قاطعتها سيلينا بتوتر: لا أريد أن أخرج...
قالت أميلي و هي تقلب صفحات ملف السيدة سكورزبي الطبي: ماذا تعنين؟ ... إنك الآن بصحة جيدة ...
صرخت العجوز بهستيريا: لقد عاد... سيقتل فتاة اليوم...الآن ...
_ أرجوكِ, اهدئي ... من هو الـ...
_ صائد الأرواح... لم يكن هذا ما اتفقنا عليه... إنها ضحيته... انه يكرهها لسبب ما... و لكنه وعدني بألا يقتل غيرها...
اختفت الابتسامة عن وجهه أميلي و هتفت: من هي؟ ... الفتاة من هي؟
قالت سيلينا و هي تتشبث بغطاء فراشها كطفلة صغيرة: قال إن أسمها نيكي...إن تصرفاتها لا تعجبه بتاتاً ... إني خائفة يا صغيرتي ...ماذا أفعل الآن؟ يجب أن أحميها,
تحول وجه أميلي للون الأبيض, و بدت شاحبة وشاردة الذهن, و هي تحدق للنافذة, و بدأت تسترجع أحداث الأيام السابقة... مشاجرة نيكول و ويليام بشأن حفلة لوالدتها, عراك نيكول و كاثي المستمر, تصرفاتها الغريبة تجاه ويليام و أندرو, وكيف كانت توبخهم, و كم كان من الأشياء التي لا تعجبها, تكره الاحتكاك بالناس, و تكره المناسبات الاجتماعية ... كانت وحيدة, و كيف لم تلحظ أميلي ذلك؟ و ذلك الوجه الغريب الذي ظهر قرب النافذة في منزلها ... ما هو إلا صائد الأرواح, كان يراقب نيكي طوال الوقت... و لكن هذا مستحيل... قد تكون فتاة الأخرى,
نظرت إليها سيلينا بارتباك: عزيزتي هل أنت بخير؟
همست أميلي: إنها شقيقتي,
_ ماذا؟ لم أسمعك جيداً,
قالت أميلي بنبرة حادة: لا شيء, حسناً, هذا دوائك تناولي قرصين, واستريحي قليلاً
و سأترك نيلي تعتني بك... عليّ الذهاب الآن.
أمسكت السيدة سيلينا كوباً من الماء على الطاولة بجانب السرير, و قالت بنبرة متقطعة: أرجو...ألاّ... أكون قد أخفتك,
_ لا, لا شيء, و لكنني تذكر شيئاً مهماً, وداعاً... ابتسمت أميلي وأغلقت الباب وراءها,
ركضت أميلي مسرعه من غرفة السيدة سكورزبي إلى مكتبها أخر الممر في الطابق الثاني, و بدت لها تلك المسافة طويلة جداً, و بدأت بجمع أغراضها في الحقيبة, و أخذت معطفها و نزلت للطابق الأول, كانت تركض بسرعة كما لو أن هناك من يلاحقها, و كأنها تحلم, لم تنتبه لأحد ولم تكاد تسمع لورين قرب باب المستشفى و هي تصرخ:أميلي...إلى أين بهذه السرعة؟
_ سأخبرك فيما بعد,
همست أميلي و هي تركب سيارة أجرة: أين سأجدها...أين؟...وجدتها... ليس لدي خيار آخر,
أخرجت أميلي هاتفها الخلوي من حقيبتها السوداء, و ما هي إلاّ دقائق حتى صرخت أميلي: نيكول... أين هي؟
قال أندرو: أميلي ما بكِ؟لقد تأخرت كثيراً عن الحفل... و كذلك نيكول,
_ لا يمكن, هل اتصلت بك؟
_ ميلي عزيزتي خذي نفساً عميقاً, ما بها نيكول؟
غرقت عينا أميلي بالدموع ثم قالت: لا أعلم, قد يحدث لها مكروه, أنا في طريقي الآن للمنزل, و سنبحث عنها معاً,
_ حسناً, أنا في طريقي للخارج,
_ لا, انتظر, سنخرج معاً.
أغلق أندرو سماعه الهاتف, و نظر لوالدته و هي تضحك مع عمه جيفري, و في الزاوية وقف ويليام يحدق خلال زجاج النافذة, و هو ينتظر نيكول و أميلي, و بعد وهلة قصيرة هتف ويل: ميلي أنها هنا, ... و قبل أن يفتح ويليام الباب سمع صراخ في الشارع, إنها أميلي.
فتح ويليام الباب و اتجه لسياج حديقة الزهور في مقدمة المنزل, و قد ذهل لما رآه فور اقترابه من السياج, نيكول ممدة في البرد على العشب المتجمد, و كيف لم يلحظها أحد؟ ... خرج الجميع بعد أن سمعوا الصراخ, و قال أندرو بصوت أجش و هو يقترب نحو جثه نيكول: مصدر الصوت الغريب... كيف لم ألحظ وجودها...كيف لم انتبه لسياج الحديقة؟
ركضت أميلي نحو نيكول و احتضنتها و قالت بصوت عميق و هي تبكي:لقد كانت محقه, صائد الأرواح...لقد أخذ روحها, ... و رفعت رأسها و أخذت تنظر لوالدتها و هي جالسة على كرسيّها المتحرك, شاحبة الوجه, أمسك ويليام بيد والدته واحتضنها ... لقد بدت والدتها كالميتة بدلاً من نيكول, حيث كانت بشرة نيكي باردة ولكنها متوردة الوجنتين من الطقس الشّاعر بالبرد.
خيمت غيمة سوداء على منزل سيلدوث, و مضى الشهر سريعاً, و قد حضر الكثير من الأصدقاء و الأقارب جنازة نيكول رولاند سيلدوث, أما أميلي فكانت لا تذوق طعم الراحة ليلاً دون التفكير في الأحداث الماضية.
تكشّف الليل المطير عن صباح تغطي وجهه سدول الضباب, و خرجت أميلي من المنزل للمستشفى حتى لا تتأخر, و اجتازت الطريق إلى الحديقة العامة لاختصار المسافة, و كانت الأرض الرطبة تضايق قدم أميلي, فتزيد في انقباض صدرها, حتى بلغت سور الحديقة العامة إلى مفترق الطريق, أخذتها قدمها إلى اليمين حتى
وصلت لمتجر صغير للحلوى و الكعك وسط المباني الضخمة و الطرقات المملوءة بضجيج الناس و ضوضاء السيارات التي لا تكف عن إصدار أصوات البوق, اجتازت أميلي الممرات
الضيقة بين المركبات بحذر, و وقفت أمام باب المتجر حيث أنها ترددت في الدخول في البداية, إلا أن برودة الطقس أجبرتها على الاندفاع نحو الباب الزجاجي الملون السميك.
_ مرحباً, بماذا أخدمك؟ ... جاء الصوت من الزاوية خلف الطاولة الخشبية ذات نقوش الأزهار.
بدت أميلي شاردة الذهن إلى أن أيقظها صوت امرأة عذب وجميل, و أصدرت صرخة خفيفة في نفسها, و أخذت تمعن النظر في أرجاء الغرفة الكبيرة, تبدو كمتجر للحلوى من النوع الفخم الذي يخطف الأنظار, و يحبس أنفاس الأطفال عند دخولهم, فتحتار عند اختيارك ألذ السكاكر و الكعك, و حتى المقاعد الخشبية البسيطة المصنوعة بدقة متناهية في نقوشها الدافئة التي تبحر بمخيلتك إلى الأرياف الهادئة, و الشواطئ الذهبية, و بحارها المتلألئة.
_ يا آنسة؟ ... نادت الفتاة مرة أخرى و لكن بنبرة أعلى, و كانت تقف أمام أميلي مباشرة.
_ آه, آسفة...لقد كنت’...
_ بماذا يمكنني أن أخدمكِ ؟
كانت الفتاة نظيرة أميلي بالسن و الطول, إلا أن لها عينين رماديتين صغيرتين, و وجه ممتلئ طفوليّ, تناثرت على وجنتيها علامات نمش متفرقة, و لها ابتسامة مشرقة ذات أسنان ناصعة البياض و طويلة في إطار شفتيها الصغيرة.
_ يا آنسه, هل أنتِ بخير ؟ ... أمسكت بيدي أميلي و سحبتهما نحو أقرب كرسيّ.
_ أدعى إيركاين.
_ أميلي سيلدوث, سعدت بمعرفتك.
_ هل تريدين أن أحضر لكِ شراباً ساخناً ؟ ... ابتسمت إيريكا.
و لكن قبل أن تجيب أميلي خرجت الفتاة مسرعة نحو الباب خلف الطاولة, و ما هي إلا ثواني معدودة؛ حتى جاءت بكوبٍ من الشوكلاته الساخنة فوقها ملعقة من كريما الفانيلا مزينة بحبات صغيرة من الشوكلاته.
_ شكراً جزيلاً ...
_لا داعي لذلك, هياّ احتسي كوبك قبل أن يبرد.
شربت أميلي من الكوب بسرعة, حيث تمنت أن تشربه كله جرعة واحدة, و لكن الطعم اللذيذ و الغني لم يمنعها من التحلي بآداب السلوك, و أعاد لها دفئ المشروب الساخن تورد وجنتيها و الإحساس بالنشاط بهذا الجو الضبابي الكئيب, و قالت أخيراً:
_ آسفة على هذا الإزعاج, و لكن عليّ الذهاب... بسرعة.
و ما أن لبثت قليلاً حتى تذكرت الأمر الذي حتمها على الخروج في هذا اليوم, و قد أحست بأن عليها شراء شيءٍ من المتجر, و ليس من اللائق أن تخرج فارغة اليدين بعد أن عاملتها صاحبته بحسن و كرم, و اشترت منها علبة متوسطة الحجم من الكعك الصغير ذو نكهات متنوعة و خرجت على عجلة من أمرها, حتى وجدت نفسها أمام بوابة مشفى (مارلين هيرتوايد) للعناية بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة, فهي قد تأخرت ساعة كاملة, فكيف لها أن تفكر باختلاق عذر يناسب الموقف ؟ و لكن دون جدوى, حيث إن ناظريها قد وقع على لورين و هي تتذمر من رنين الهواتف على طاولتها و تشير بعصبية إلا الممرضات بأخذ الأوراق و الملفات من عندها.
رفعت لورين بصرها نحو البوابة التي لا تبعد عنها خمسة و عشرين قدماً, و أخذت تحدق نحو أميلي التي كانت تقف هناك كالجنديّ الذي ينتظر الأوامر.
_ أميلي! تعالي إلى هنا من فضلك ... صرخت لورين و هي تمسك سماعة الهاتف.
خرج صوت عالٍ من السماعة بنبرة غضب من تصرف الممرضة لورين مورت.
_ لا ... لا, لم أقصدك يا سيدة ماكلين أبداً, أنا أعتذر ... و لكن انتظري لحظة ... و وضعت المكالمة بالانتظار.
قطعت أميلي المسافة و كأنها تقيسها بينما كانت تهمس في داخلها: يا لها من متسلطة... هذه لورين ... من تظن نفسها ؟
_ أميلي, لقد تأخرت كثيراً... أمسكي هذا الملف و إلى غرفة السيدة سيلينا سكورزبي, دوروثي تنتظرك هناك,
_ ( عظيم... أوامر, أوامر, أوامر... لم لا تسألين عن صحتي و أحوالي يا ذات القلب الجليديّ) ... آه, حسناً ... و أخذت الملف من يد لورين و أدارت رأسها نحو المصعد.
_ بالمناسبة, تبدين بصحة جيدة, ( ما قصة علبة الكعك ؟),
_ بلهاء... قالت أميلي بصوت خافت.
مشت أميلي بخطوات واسعة إلى غرفة الممرضات في الطابق الثاني, و قد شعرت بسعادةٍ كبيرة لعودتها بين زميلاتها.
pometo- عدد الرسائل : 6
العمر : 34
محل الإقامة : kuwait
تاريخ التسجيل : 02/08/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
دخلت إلى الغرفة الدافئة و اتجهت نحو المنضدة ونزعت معطفها و قبعتها الصوفية و تركت حقيبتها على الكرسي, أحضرت سترتها من الخزانة خلف الأريكة, ارتدته بسرعة, أخذت معها ملف سيلينا سكورزبي و علبة الكعك التي ما تزال دافئة رغم المسافة التي قطعتها في الطقس البارد في الخارج, و أغلقت باب الغرفة.
اتجهت أميلي بخطوات متثاقلة نحو غرفة السيدة سكورزبي, و ما أن وصلت إلى الباب حتى فتح و خرجت دوروثي قاطبة جبينها.
_ دوروثي!
أشرق وجه دوروثي بهجة و قالت: أميلي! كيف حالكِ ؟ أنا سعيدة جداً لرؤيتك,
_ أنا بصحة جيدة ... لا تعلمين كم اشتقت لكِ ... أين السيدة سيلينا ؟
_ في الداخل, لقد أعطيتها بعض المهدئات ... إنها تتصرف بغرابة منذ مغادرتك ... لقد سجلت كل شي في ملفها... آه, يبدو أنك لم تقرئيه,
احمر وجه أميلي خجلاً: هذا... لا لم استطع, لقد أخذته من لورين للتو ... وفي تلك اللحظة سمعتا صوت السيدة سيلينا تنادي.
_ أظن أن من الأفضل أن أراها... هيه دوروثي, هل لكِ أن تضعي لي كعكة واحدة في طبق للسيدة سكورزبي؟
أومأت دوروثي: بالطبع, لا مشكلة ... لقد غلفت هذه العلبة بشكل جيد ...تبدو شهية,
_ أتمنى أن تعجب السيدة سيلينا, تبدو عكرة المزاج,
_ مع نبرة صوتها هذه, بلا شك... ابتسمت دوروثي.
أخذت أميلي نفساً عميقاً, أمسكت مقبض الباب و أدارته إلى اليمين, فتحته بخفة حيث وقفت منتصبة أمام سرير السيدة سيلينا إذ أنها هي الأخرى بدت شاحبة الوجه, جاحظة العينين تحدق إلى السقف و هي تحرك شفتيها كما لو أنها تحدث أحداً ما, أغلقت أميلي الباب خلفها دون أن تصدرت أية صوت و وثبت نحو مريضتها.
_ ســ... سيدة سكورزبي...همست أميلي,
أدارت سيلينا رأسها بقوة نحو ممرضتها, وهمست هي الأخرى: لقد كان هنا...
سألت أميلي بريبة: هل هو صائد الأرواح؟
أجابتها سيلينا و عينيها غارقة بالدموع: لقد تحررت من سلطته المظلمة...
قالت أميلي بصوت متقطع: و إلى أين ذهب؟
_ إلى العميق...
_ هل سيعود مرة أخرى؟... جلست أميلي سيلدوث قرب سرير العجوز الكهلة.
_ لا, لن يعود إلا لما اتفقنا عليه,
_ وما هو اتفاقكم؟
_ لن يسرق أرواح الناس بعد الآن إلا من هم على وشك الموت,
قالت أميلي قاطبة جبينها: و لكن أنتِ...
_ كبيرة في السن و أنا على فراش الموت,
_ و لكن صحتك تحسنت كثيراً... صرخت أميلي,
_ أنا لا أريد صحتي, يكفي أنني أعيش هذه الطمأنينة و الراحة التامة قبل أن ألفظ أنفاسي الأخيرة,
_ و لكنني لا أريد أن أفقدك...كما فقدت...
_ أنا آسفة يا صغيرتي, لقد استدعيت ذكرى مؤلمة لكِ, و لكنني لم أستطع أن أفعل شيء لإنفاذها,
احمر وجه أميلي: أنا أعلم... إنها لم تكن غلطتك... لقد بذلتي ما في وسعك,
_ لا تقلقي يا عزيزتي, سأكون دائماً بجانبك,
_ سأشتاق لكِ كثيراً... مسحت أميلي دموعها,
_ ستبقين في قلبي دائماً, أنت هي الابنة التي لم أحظى بها أبداً,
قفزت أميلي إلى حضن سيلينا: لن أنساك أبداً يا سيدة سيلينا سكورزبي,
_ أشكرك على كل المساعدة التي قدمتها لي.
مضت أميلي إلى آخر الممر, و إذا بها تلمح دورورثي قادمة تجاهها تحمل معها صينية وضعت عليها طبقاً من الحلوى و كوب من عصير الأناناس.
_ أميلي, هل تمانعين؟ لقد تركت قليلاً من الحلوى إلى الممرضات في الغرفة,
_ لا أبداً, هذا جيد, كنت سأفعل ذلك بنفسي,
_ كيف حال السيدة سيلينا؟
_ ستكون بحال أفضل في الصباح, لقد تركتها لترتاح,
_ حسناً, سأترك لها الحلوى قرب سريرها, قد تأكلها بعد العشاء,
_ ذلك أفضل... تنهدت أميلي و ذهبت كل ممرضة في طريقها.
عادت أميلي إلى منزلها قبل غروب الشمس بنصف ساعة, اجتازت سور حديقتها إلى باب المنزل الخشبي ذو نقوش الأزهار, و لقد امتدت فترة بقائها في هذا المنزل الكبير ما يقارب الستة سنوات حيث إنها ورثته من والدها وهو تاجر عقارات ناجح توفي جراء مرض الرئة, و ما أن دخلت أميلي إلى منزلها, أغلقت الباب وراءها و هتفت بصوت عالٍ مناديةً ليلي و هي تعلق معطفها:
_ ليلي, لقد عدت,
خرجت ليلي من باب المطبخ, و توجهت نحو أميلي و هي تحمل كوباً من الماء و قالت:
_ في الوقت المناسب, تفضلي كوب الماء و الدواء الذي أوصى به الطبيب,
_ لقد ظننت أنكِ قد نسيت... ابتسمت و هي تنزع قبعتها الصوفية وعلقها قرب معطفها,
_ لا, لم أنسى, هياّ تناوليه بسرعة,
_ حسناً... حسناً... لم العجلة, تبدين مثل أمي,
_ طعام العشاء سيكون جاهزاً خلال ساعة... أخذت ليلي روزنباوم الكوب و الدواء من أميلي و اتجهت إلى المطبخ.
بعد ساعة و عشر دقائق تقريباً؛ كان طعام العشاء جاهزاً على المائدة, جلست أميلي ثم من بعدها ليلي و هي تحمل بيدها عدة ملاعق و تضعهم قرب الأطباق, ساد الصمت قليلاً إلى أن كسرت ليلي حاجز الهدوء قائلةً:
_ ما بكِ؟ تبدين شاردة الذهن يا أميلي,
_ هناك شي يدور في ذهني... عن السيدة سيلينا سكورزبي,
_ هل كل شي على ما يرام؟... تساءلت ليلي,
_ نعم, و لكنها اعترفت لي بشي غريب... ليلي هل يمكن لأحد أن يتمنى الموت بعد أن ناضل كثيراً من أجل الحصول على الراحة و الحرية؟
_ لا أعتقد ذلك أبداً... ترددت ليلي,
_اسمعيني جيداً, إن قصة صائد الأرواح لا يعلم بها أحد غيرك أنت و ويليام, كما أن إنجلترا كلها تعلم بأمر السيدة سيلينا و جنونها المؤقت من خلال ما نشرته الصحف عنها في الأشهر الأربعة الماضية... و لكن ليس صائد الأرواح, فهو ما يزال مجهول و ما سأقوله لكِ الآن سيظل سراً بيننا نحن الثلاثة, ويل يعلم بكل هذه التفاصيل...إلا....
_ قرار السيدة بالموت... أكملت ليلي,
_ حسناً, لم يكن بوسعي أن أمنعها,
_ و لكن لماذا؟ كما فهمت منكِ, فهي الآن تشعر بالراحة...
_ اتفاقها معه امتد لخمسين سنة قادمة, و لعلّها أرادت أن ترتاح من العالم,
_ لأنها أكملت مهمتها, قد يكون هذا هو التفسير الصحيح...
انفجرت أميلي بالضحك و قالت: إنك تذكرينني بويل بأندرو, فهما يحبان تحليل و تبرير كل شي,
_ إنك تبالغي بذلك, و لكنني سعيدة لأنني لطفت الجو عليك قليلاً,
_ آه يا ليلي, لا أعلم ماذا كنت سأفعل بدونك.
و بعد طعام العشاء بقليل تركت أميلي رسالة إلى ويل على المجيب الآلي تخبره بما حدث مع السيدة العجوز و أن يتصل بها في تمام السابعة و النص صباحاً, و ذهبت للنوم بعد ذلك.
pometo- عدد الرسائل : 6
العمر : 34
محل الإقامة : kuwait
تاريخ التسجيل : 02/08/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
بزغ الفجر, و ظهرت أشعة الشمس الذهبية, تداعب السماء البرتقالية, تطرد ظلمة الليل الداكنة, و ترسل إشارتها للكون أجمع عن بدء يوم جديد, نهضت سيلينا سكورزبي من سريرها الأسفنجي, و اتجهت نحو النافذة و فتحتها على مصراعيها لتدخل هواء الصباح المنعش لغرفتها الخانقة, و أخذت تخاطب السماء ببعض الكلمات و غرق وجهها الشاحب بالدموع الغزيرة.
في تمام الساعة التاسعة و النصف, وصلت أميلي إلى المشفى على غير عادتها,
فهي تباشر بعملها عند الساعة العاشرة, و لكنها كانت سعيدة ذلك الصباح لأمر ما, فهي لديها وسيلة جيدة لإقناع السيدة سيلينا بالبقاء و ترك فكرة الموت, فقد خططت لذلك مع ويل و نادراً ما تفشل مخططاته العجيبة, و فور دخولها من البوابة لم تصادف لورين مورت أبداً أمامها, بدا ذلك غريباً لأن لورين هي دائماً أول الواصلين للمشفى, و لكن أميلي أكملت طريقها إلى غرفة الممرضات, و بعد دقائق عند خروجها من الغرفة
اصطدمت بمونيكا إيدن.
_ أميلي! حمداً لله إنك هنا... كنت على وشك الاتصال بكِ... صرخت مونيكا,
_ ما بكِ؟ تبدين قلقة,
_ السيدة سكورزبي... لقد توفيت... انتهت مونيكا,
بدت هذه الكلمات مثل السهام في قلب أميلي, و بالكاد تمالكت نفسها, أحست برعب شديد, و هرعت لغرفة السيدة سيلينا... رقم 115, بدا كل شي مظلم في عينيها, لم تسمع صوتاً, و لم تلمح محدثيها, قد يكون ذلك بداية كابوسها المزعج, لم ينتهي الأمر أبداً, قد يعود مرة أخرى, ما زال هناك الكثير من الأسئلة تدور في مخيلتها, و لم تفق أميلي إلا عندما صرخت لورين في وجهها:
_ أميلي!
_ ... ماذا؟
_ لقد توفيت هذا الصباح عند الساعة الرابعة و ثلاث و خمسين دقيقة,
_ من رآها أولاً؟ قالت أميلي بصوت خافت و هي تصوب بصرها نحو معطف السيدة سيلينا,
- آه, أعتقد أنها بريندا ستيوارت, لقد كانت تريد تغيير الملاءات و استبدال المنشفات,
_ لورين, هل لي أن آخذ اليوم إجازة... أرجوك إنني أطلب منك معروفاً,
لم تستطع لورين أن ترفض طلب أميلي, فقد بدت لوهلة مرعوبة كما لو أن الموت يلاحقها, و فور سماع أميلي إجابة لورين ركضت بأقصى سرعتها إلى أقرب هاتف لتخبر ويليام بما حدث, مضت ثلاثة دقائق و أميلي تحاول الوصول لأخيها, و لكنها لم تفلح, و بعد نصف ساعة أخرى قدّر الأطباء أن ساعة وفاة السيدة سيلينا ماثيوز ريكاردو سكورزبي هي الساعة الرابعة و ثلاث و خمسين دقيقة يوم الأربعاء التاسع من شباط من عام 2006.
مرت سنتين كاملتين على الأحداث الجارية, و مع إطلالة السنة الجديدة, سار كل شي على ما يرام, و بدت ذكرى السيدة سيلينا مجرد تجربة مزعجة انتهت بلا رجعة, اختفى صائد الأرواح...ليس كلياً, و لكن مؤقتاً... و لن يعود ليطارد أميلي مرة أخرى, تلاشت الكلمات المخيفة و المواقف المرعبة من مخيلة أميلي, كل ما تبقى لديها هي صورة أختها نيكول رولاند سيلدوث, انتقل ويليام للعيش عند والدته جيليان سيلدوث, و أثمر زواج أندرو سيلدوث بطفلة صغيرة سمّاها نيكول لتملئ الفراغ الذي تركته نيكي في المنزل, أميلي, الشقيقة الصغرى عادت لحياتها الطبيعية, و كل مرة تمر بجانب الغرفة رقم 115 تشعر بموجة برد تجمد الدم في عروقها, لسبب ما بدأت تتشاءم من هذه الغرفة, لقد توفي شخص عزيز على قلبها هناك, و ليست محض صدفة, و لكنها قد أجبرت على الموت في سبيل أن يعيش غيرها, و لكن... قد تكون هذه هي مشيئة الله... تلك الأفكار دائماً ما تجول في خلد أميلي.
و في مساء العشرين من شهر كانون الثاني, اجتمع الأبناء في منزل والدتهم, السيدة سيلدوث, لم تخلو أجواء الأمسية من المرح و السعادة, و كانت روح نيكي تغمر غرفة الاستقبال بالبهجة, لقد أحسوا بوجودها بينهم,
_ و أخيراً, لقد نامت نيكول... تنهدت إيما زوجة أندرو بصوتها العذب,
_ تلك الصغيرة الجميلة...كم تذكرني بنيكي عندما كانت في مثل عمرها...قالت جيليان سيلدوث و هي تمسك بصورة ابنتها,
_ أمي, كيف حال علاجكِ الطبيعيّ؟... تدخل أندرو ليغير الموضوع,
_ لا بأس به, و لكنني سأتركه... لقد مللت من هذا العلاج,
_ لم أستطع أن أمنعها, و لكن لا يضر أن ترتاح لأسبوع, فمواعيد العلاج ترهق أمي...أكمل ويليام,
_ و إن حدث شي لصحتك؟... تساءل أندرو,
_ لا تقلق, فأنا لم أشعر بصحة أفضل من هذه منذ زمن بعيد...انتهت جيليان,
_ سأحضر المزيد من الشاي, هل تريدون شيئاً آخر؟...قالت إيما و هي تمسك بإبريق الشاي,
_ هل لكِ أن تحضري المزيد من الكعك؟...ابتسمت أميلي, و أومأت لها إيما,
في تلك الأثناء تبادل كل الحاضرين أطراف الحديث, و بعد طعام العشاء أراد أندرو أن يبتكر لعبة جديدة بدل ما هو متعارف لديهم من التسليات عند منتصف الليل, و لسوء حظه لم يجد أية فكرة تعجب من حوله, فانتهى به الأمر إلى لعبة الأسرار, فهي سخيفة بالنسبة له, فالأطفال يستمتعون بها على عكس الكبار, و هي أن يعرف أحد بسر ما أمام من حوله ثم يدونه في ورقة و يرميه في نار المدفأة... لعبة سخيفة و لا معنى لها...هذا من وجهة نظر أندرو,
_ حسناً, إنه دوري... قفزت أميلي,
_ تبدين متحمسة لذلك...ضحك ويليام,
_ رائع, أميلي الصغيرة لديها أسرار... سخر أندرو من تصرف أميلي,
_ توقف عن ذلك... لا تسخر مني,
_ هذا لأنك ما زلت طفلة صغيرة, و تستمتعين بهذه الأنواع من التسليات... زمجر أندرو,
_ أمي, أندرو يضايقني,
_ عزيزي دعها تكمل... قالت جيليان بينما غرق أندرو في كرسيّه كطفل صغير,
_ إن سري هذا لا يعلم به أحد...حدق ويل بأميلي و قد رأت الشرارة تخرج من عينيه نظراً إلى ظلمة الغرفة قليلاً,
_ حسناً, ويل يعلم أيضاً,
_ و تسمينه سراً... همس أندرو بسخرية و لكن صوته كان مسموعاً جيداً مثل رنة الجرس,
_ دعني أكمل... حسناً, أين كنت؟ آه... لقد بدأ هذا كله قبل سنتين تقريباً...
كانت كلمات أميلي كأنها أحداث مقتبسة من روايات الرعب الخيالية, و من يدري لعلّ هدفها إخافتهم فحسب, فقد بدت إيما مهتمة للقصة كثيراً, ويل كان شارد الذهن, أندرو كان يتثاءب بين فترة و أخرى فقد غلب عليه النعاس كما أن الساعة قد تجاوزت الثانية عشر والنصف, أما السيدة جيليان, فقدت كانت تصغي لكل كلمة تقولها أميلي و لم تهتم لأمر مصداقيتها, و لكنها تركت سؤالاً محيراً لها عندما أنهت روايتها,
_ لقد كان سبب وفاة نيكول هو نوبة قلبية, وإن كان هذا السارق قد أخذ روحها, فكيف للأطباء أن يشخصوا سبب الوفاة...ألا يجب أن يكون مجهولاً؟... قالت جيليان بنبرة حادة,
_ أمي أرجوكِ لا تغضبي.. إنني لا أمزح بشأن موت نيكول... لمعت عيْنا أميلي,
_ إن الوقت متأخر الآن, لم لا نؤجل هذا النقاش الرائع إلى يوم غد... تدخل ويل بسرعة حتى لا يشتد العراك بينهم,
_ إنني لا أكذب, أخبرها يا ويل... نهضت أميلي من على الأرض و اقتربت من كرسي والدتها المتحرك,
_ أميلي يا عزيزتي, ليس الآن... هياّ انهض يا أندرو كفاك نوماً... وثب ويل من مكانه و أخذ يوقظ أندرو من سباته العميق و بدا مرتبكاً قليلاً,
_ ماذا؟... صرخ أندرو,
_ لا شي يا عزيزي, هيا إلى الطابق العلوي, طابت ليلتكم... أمسكت إيما بيد زوجها و خرجت من الغرفة مسرعةً,
_ ويل, ساعدني في الوصول إلى غرفتي...انتهت جيليان و خرجت من الغرفة تاركةً أميلي وحدها.
في منتصف الصباح الباكر, جُهزت مائدة الإفطار, و جلس كلٌ من أندرو, ويليام و إيما يتناولون إفطارهم الصباحيّ بهدوء, و بعد دقائق قليلة انضمت إليهم أميلي و ألقت على مسامعهم تحية الصباح المعتادة و بادر كلٌ منهم بالإجابة, قال ويل بعد أنهى كأس عصير البرتقال أمامه: ليس من عادة أمي ألا تأكل وجبة الإفطار معنا, أين هي؟
أجابه أندرو و هو يضع القليل من مربى التوت على قطعة من الخبز المحمص: لقد طلبت من كاثي إحضار طعام إفطارها لغرفتها هذا الصباح,
_ أمازالت غاضبة مني؟... تدخلت أميلي,
_ أظن ذلك...نظر إليها ويل بأسى كما لو أنه يطلب منها ألا تتطرق الموضوع,
_ من ماذا؟... نطق أندرو هذه الكلمات بصعوبة بالغة و هو يبتلع طعامه,
_ و ما شأنك أنت بذلك, لقد كنت نائماً... سخرت منه أميلي غير مبالية,
_ لقد كنت مستيقظاً طوال الوقت,
_ صحيح؟... ومضت عينّا أميلي و سخرت بإيجاز,... و ماذا سمعت؟... أكملت تناولت فطورها,
زم أندرو شفتيه و أخذ يفكر قليلاً, و قال أخيراً: لقد كنت تتحدثين عن سر ما و عن سيدة عجوز, إلخ... إلخ... إلخ,
حدقت به أميلي بينهما رمقته زوجته بجفاء و قالت ببرود تام: عزيزي, أعترف بذلك, لقد كنت نائماً,
_ لا لم أكن نائماً... ضغط اندرو على حروف كلماته,
_ شجاركما لن ينفع في هذا الوقت...استطرد ويل و هو يقلب صفحات الجريدة بعد أن أنهى فطوره,
_ ويل أنت تعلم بالأمر...ماذا علي أن أفعل؟...قالت أميلي بصوت خفيض عميق,
قفز أندرو من كرسيه و همّ بالخروج من الغرفة.
_ ما به؟... تساءلت أميلي,
_ لعله أنزعج قليلاً, و لكن لا تقلقي سيكون على ما يرام بعد أقل من ساعتين, هذه هي طبيعة أندرو, لن يطول غضبه...التفت ويل نحو النافذة ليلمح أندرو جالساً على كرسي الحديقة,
هزت أيملي رأسها باكتئاب: و لكنني لم أقصد ذلك.
لم تكن الشمس قد توسطت كبد السماء عندما دخلت أميلي غرفة الممرضات في مشفى مارلين هيرتوايد, و ذهبت لتطمئن على صحة السيد توماس غولدنبيرغ, مريضها الحالي بعد روزي أولبرايت و ماري دانيلز, أحضرت طعام الغداء, و اصطحبته للنزهة في حديقة المشفى كعادتها؛ جلست أميلي على طاولة قريبة من السيد توماس و أصحابه, و أخذت تراقبه و تبتسم بينما هو يلعب الشطرنج.
_ لم تبتسمين؟... جلست دوروثي هاردمان قرب أميلي,
_ يبدون مستمتعين جداً,
_ كأطفال صغار... قالت دوروثي بينما صرخ السيد توماس: مات الشاه,
_ لا يهمهم كبر سنهم في الحياة, بل يعيشون كل لحظه بها بحرية تامة...نظرت أميلي إلى دوروثي,
_ صحيح, و لكن ليس لنا الحق برفض الحرية, ألا تعتقدين ذلك؟
_ نعم, و ليس بمجرد إحساسنا بمسؤوليتها,
_ هل نتطرق إلى الفلسفة؟
_ إن ذلك أفضل بكثير من التحدث عن سوزان رالف... ضحكت أميلي,
_ آه, كم أشفق عليها,
_ لا أعتقد أن كبيرة بالسن مثل لينا أوليفر تردين أن تنتحر... بحبوب منومة؟
_ لا شك أنها سرقتها من سوزان, فقد تناولت جرعة كبيرة من الدواء...هتفت دوروثي,
_ اتهموها بالإهمال, يا له من إدعاء سخيف...عقدت أميلي حاجبيها,
_ أتمنى أن يتم تبرئتها من الحادثة بأكملها,
_ قد يتم زجّها بالسجن؟
_ أميلي!
_ حسناً, لم أقصد, و لكن هذا ما سمعته من مونيكا,
_ قد تكون محقه, و لكن نرجو ألا تصدق توقعاتنا...تمتمت دوروثي وهي تنظر إلى السيد إدوارد مع السيد توماس,
اكتفت أميلي بهز رأسها بإيجاب.
pometo- عدد الرسائل : 6
العمر : 34
محل الإقامة : kuwait
تاريخ التسجيل : 02/08/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
أختى pometo
لقد قرأت جزء من روايتك
أسلوبك الروائى رائع
لكن بعض ملامح الأسلوب الإنجليزى تسيطر عليه
هذا لا يشوب الأسلوب .. بل يجعله ملفت بعض الشئ
و بالنسبة للرواية فهى رائعة وتفوق سنك الصغيرة
أكمليها أختى .. وفقك الله
لقد قرأت جزء من روايتك
أسلوبك الروائى رائع
لكن بعض ملامح الأسلوب الإنجليزى تسيطر عليه
هذا لا يشوب الأسلوب .. بل يجعله ملفت بعض الشئ
و بالنسبة للرواية فهى رائعة وتفوق سنك الصغيرة
أكمليها أختى .. وفقك الله
رجل المستحيل- مدير المنتدى
- عدد الرسائل : 305
تاريخ التسجيل : 19/06/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
طبعا انا قرات كل كلمه من الروايه وهي عن جد رائعه واعجبني كل ما فيها
فعلا وكما قال اخي رجل المستحيل يشوبها الاسلوب الانجليزي والنادر ان نصادفه من كتابنا العرب ولاسيما من كاتبتنا الصغيره الموهوبه ولكنه في النهايه اسلوب ساد لقرون في ارجاء الادب الاوروبي وله عشاق في كل انحاء الارض وانا منهم
من اكثر ما اعجبني انك تهتمين بكل شخصيه وبايراد صله الاشخاص ببعضهم البعض سواء من النبذه التي تسبقين بها كل شخصيه او من خلال الحوار الدائر بين الشخصيات
يعبجني جدا امساكك لخيوط الشخصيات وهي للحق لم تفلت منك الا في موضع واحد او موضعين وهو ما يحدث مع كبار الكتاب ولا يعيب العمل
اسعي بجد يا اختي الصغيره فعسى ان نسعى نحن يوما لان ناخذ اوتجرافا من كاتبه مبدعه
طبعا انا قرات كل كلمه من الروايه وهي عن جد رائعه واعجبني كل ما فيها
فعلا وكما قال اخي رجل المستحيل يشوبها الاسلوب الانجليزي والنادر ان نصادفه من كتابنا العرب ولاسيما من كاتبتنا الصغيره الموهوبه ولكنه في النهايه اسلوب ساد لقرون في ارجاء الادب الاوروبي وله عشاق في كل انحاء الارض وانا منهم
من اكثر ما اعجبني انك تهتمين بكل شخصيه وبايراد صله الاشخاص ببعضهم البعض سواء من النبذه التي تسبقين بها كل شخصيه او من خلال الحوار الدائر بين الشخصيات
يعبجني جدا امساكك لخيوط الشخصيات وهي للحق لم تفلت منك الا في موضع واحد او موضعين وهو ما يحدث مع كبار الكتاب ولا يعيب العمل
اسعي بجد يا اختي الصغيره فعسى ان نسعى نحن يوما لان ناخذ اوتجرافا من كاتبه مبدعه
Aimano- عدد الرسائل : 11
العمر : 36
محل الإقامة : انا عايش في ام الدنيا
تاريخ التسجيل : 08/11/2007
رد: الروح من العميق...قصه من تأليفي
شكراً لك بيميتو على قصتك الرائعة دى
س-18- عضو فعال
- عدد الرسائل : 186
العمر : 35
محل الإقامة : ج.م.ع-محافظة الدقهلية-مركز منية النصر
تاريخ التسجيل : 20/04/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى